كان متوقعاً أن يدور جدل حاد حول برنامج إيران الخاص بالأسلحة النووية في الاجتماع الذي عقده محافظو الوكالة الدولية للطاقة الذرية في فيينا يوم الخميس 20 نوفمبر الجاري· ويعود ذلك إلى رغبة الولايات المتحدة في جر إيران أمام مجلس الأمن فيما يتعلق بانتهاك معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية·
غير أن الأعضاء الأوروبيين في الوكالة يريدون إجراء مفاوضات مع إيران·
لكن حتى إذا كان في وسع الولايات المتحدة أن توافق على هذا الإجراء، فإن من غير المرجح أن تتمكن هيئة المحافظين في الوكالة من الرد على السؤال الأهم المطروح أمامها الآن، ومفاده: ما الذي ينبغي السماح لإيران بممارسته؟
إن صعوبة الإجابة على السؤال تعكس المشكلة الأساسية التي تواجهها هذه الهيئة الدولية، ذلك أن بنية عملها المؤلفة من قسمين (أي أنها تؤيد الطاقة الذرية وتكبح انتشار الأسلحة النووية) تقف أكثر فأكثر كعقبة في طريق الجهود التي تبذلها جهات متعددة لكبح البرامج النووية· ومن غير الممكن التطرق إلى معالجة نقطة الضعف هذه من خلال الإصلاحات، باعتبار أن الحل قد يتطلب شق الوكالة الدولية إلى نصفين·
في زمن تأسيس هذه الوكالة الدولية، تحديداً في عام ،1957 كان الانقسام في رسالتها شيئاً معقولاً ومفهوماً· وقد نشأ ذلك من الاعتقاد بأن العالم يمتلك موارد محدودة جداً من اليورانيوم التي من الممكن استخدامها لتلبية الاحتياجات المدنية أو العسكرية، لكن ليس لتلبية الاحتياجات المدنية والعسكرية معاً· وبتشجيع الطاقة الذرية المدنية، صارت الوكالة تقوم بتوجيه الموارد الثمينة بعيداً عن البرامج العسكرية النووية، على أمل الحد من تقدم الأسلحة الذرية· لكن على رغم ذلك، هناك اليوم كما نعلم كميات كبيرة من اليورانيوم تكفي لكل الاستخدامات؛ ولذلك فإن تزايد استهلاك اليورانيوم في البرامج النووية لم يكن له كبير الأثر والفائدة في إعاقة تقدم الأسلحة النووية·
والأكثر من ذلك أن الطاقة الذرية كانت، لدى تأسيس الوكالة الدولية، تشكل مصدر الطاقة المستقبلية واعتُبرت أرخص من أن تكون محكومة بعدّاد· وقد تصور الزعماء الغربيون أن منح الدول النامية إمكانية الحصول على الطاقة النووية الرخيصة من شأنه أن يغري تلك الدول بالتخلي عن الأسلحة النووية· لكن للمرة الثانية ثبت أن النظرية الأساسية لم تبق كسابق عهدها صحيحة سارية المفعول، إذ تبين أن الطاقة النووية ليست أرخص من مصادر الطاقة الأخرى، إضافة إلى أن الوعد بتقديم حرية الحصول على الطاقة الذرية لم يبق وعداً معقولاً مقبولا وجديراً بالتصديق كحافز لإبقاء البلدان بعيدة عن إجراء تجارب في ميدان الأسلحة النووية·
ومن المعلوم أن الرسالة المزدوجة التي حملتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية قد حققت أداءً ممتازاً في معظم تاريخها· غير أن تلك البنية باتت، بحسب ما انكشف بالتجرية الأخيرة في إيران وكوريا الشمالية، وصفة لانعدام الفعالية، بل وربما وصفة لتحقيق كارثة· وبسبب الغرض المزدوج الذي تتبناه الوكالة الدولية، صار اهتمام نصف أعضائها تقريباً، البالغ عددهم 35 عضواً، بصيانة حرية دولهم في الحصول على التكنولوجيا النووية، أكبر من اهتمامهم بفرض نظام صارم معني بالحد من انتشار الأسلحة النووية· وقد أدى هذا إلى إحداث خلل في التوازن يبعث على القلق وعدم الارتياح، حيث يُسْمح لتلك الدول بتطوير التكنولوجيا النووية ما دامت نشاطاتها في هذا المجال خاضعة للرصد والمراقبة من جهة الوكالة·
لقد أدى ذلك في المحصلة إلى إحداث ثغرة خطيرة استغلتها كوريا الشمالية وربما تستغلها إيران أيضاً وتفيد منها: أي أن ستار برنامج الطاقة النووية المدنية يقدم لدولة ما إمكانية قيامها علناً بتطوير القسم الأكبر من برنامجها النووي تحت إشراف الوكالة، ثم يمكنها بعدئذ أن تطرد الوكالة لتمضي في صناعة الأسلحة النووية·
وخذوا هنا الحالة الإيرانية مثلاً، حيث أشار المدير العام للوكالة محمد البرادعي في تقرير صدَر هذا الشهر إلى أن المحققين لم يجدوا في إيران أدلة على وجود برنامج إيراني لصناعة الأسلحة النووية · غير أن من الصعب هنا أن نتصور الظروف التي ربما كان من الممكن للوكالة أن تتوصل فيها إلى نتائج مختلفة في سياق تحقيقاتها· وعلى رغم كل شيء، ليس هناك في الوكالة توصية أو قرار ملزم استنسابي صريح يفضي إلى معرفة وإدراك مقدرات بلد ما وعزمه على تجميع المواد النووية في قنبلة نووية- كما أنه ليست في الوكالة أيضاً توصية أو قرار لاستنتاج النوايا السيئة المستندة إلى سلوك أمة من الأمم على مدى الزمن· بل إن الوكالة تقوم فقط برصد ومراقبة المواد النووية، وتقوم أيضاً، إذا حصلت على إذن خاص، بمطاردة وتعقب عمليات الانتاج المحرّمة· وفي غياب الدليل الدامغ، تحكم الوكالة على الدول بالبراءة من تهمة السعي إلى الحصول على أسلحة نووية· إن كل ذلك شيء معقول مفهوم في وكالة مزدوجة الأهداف· لكننا هنا نسأل باعتبار أننا في عصر يحمل إمكانيات الإرهاب النووي: ألسنا بحاجة إلى كيان هدفه الأوحد كبح انتشار الأس